جرائم المجتمع قبل 90 عاما.. تعرف على أغرب القضايا من أرشيف الصحافة المصرية

يزخر أرشيف الصحافة المصرية بالعديد من الحوادث الغريبة التي شغلت أذهان المجتمع، وقد حرصت الصحف منذ فجر صدورها في مصر على تخصيص صفحاتها لعرض تلك القضايا التي أقبل الناس على متابعتها.
الدكتور محمد فتحي عبد العال حرص على جمع تلك القضايا من أرشيف الصحافة المصرية، وجمعها في كتابه “منافح الأيك في مساجلات النخب”.
يقو الدكتور فتحي عبد العال:”لقد عكفت على دراسة أرشيف الصحافة المصرية لسنوات طويلة وتكشف لي عبره الكثير من القضايا التي تعكس حقيقة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الماضي ..بين ثنايا هذه الملفات الضخمة من الأرشيف تقبع قضايا شديدة الطرافة والغرابة، كان لزامًا أن أضع لها مبحثًا خاصًا استعرضها من خلاله، ولعل بعضها كان ملهما لبعض صناع السينما والدراما في الماضي للاقتباس منها وتقديمها، وقد اخترت أمثلة من هذه القضايا وجميعها من أرشيف مجلة “الدنيا المصورة” في الفترة ما بين عامي ١٩٢٩-١٩٣٠م”.
القضية الأولى
قضية “إمام أبو الخير” والذي حضر من بلدته “جرجا” برفقة زوجته “فاطمة السيد حسن ” واتخذا مسكنًا بحي ” القُللي” القريب من ميدان المحطة، وراحا يعملان في تجارة الفاكهة وتوزيع الخضروات على التجار.
تغيرت حياة الزوج وانقلبت رأسًا على عقب، حينما تعرف على أحد من أقرناء السوء، فزين له طريق إدمان “الكوكايين” فبدد كل ما يملك في سبيل “الكيف” وباع عربة “أكل العيش” وحتى “الملابس”، ويا ليت الأمر توقف عند ذلك، بل حتى مستقبل ابنه البالغ من العمر خمسة عشر عامًا قد أضاعه حينما أخذه معه لطريق الإدمان، وصار يرسله ليشتري له من “عشش الترجمان ” ببولاق.
تبرأت الزوجة منهما، وبدأت تشق طريقها للعيش بمفازاة عن زوجها فعملت “دلالة” تتاجر في “الحاجيات النسائية البسيطة” حتى اجتمع لها رأس مال متواضع يسترها ، في نفس الوقت كان الزوج والابن قد أعيتهما الوسائل لجني المال وإنفاقه في الطريق الحرام، فتارة يعملان بالسرقة ويوهمان الناس بالقدرة على “تطليع الثعابين من الشقوق والعقارب من البيوت”، ملتمسين بركة الرفاعي، “يا رفاعي مدد”، ثم يغافلان أصحاب البيت ويسرقان أي شىء تطاله أيديهما الآثمة،”أوان نحاسية ” أو “ملابس” ثم يوليان الأدبار.
وفي إحدى المرات -وكأن الرفاعي قد كره أن يكون ذكره في حوادث النصب – ضُبطا بالسرقة وضُربا ضربًا مُبرحًا، جعلهما يتوبان عن السرقة ويتجهان للنصب !!!.
.يقولون في المثل “الحاجة أم الاختراع “، ويقولون أيضا “أن الحاجة تخلق الحيلة” فتفتق ذهنا صاحبينا عن حيلة طريفة، حيث ادعى الأب أنه من أولياء الله الصالحين وأنه صديق” السيد البدوي”، ولبس عمامة حمراء، وفي يده سيف خشبي طويل وراح يجوب القرى، ويطوف الضواحي النائية مدعيا قدرته على قراءة الأفكار وشفاء المريض والمرأة العاقر، وذاع أمره بين البسطاء وانطلت حيلته على السذج ولكن حتى حين !!.
وفي إحدى المرات ارتاب عمدة إحدى القرى في هيئتهما الرثة واصفرار وجههما على غير شاكلة الأولياء الذين تنتفخ بطونهم من النعمة وتعلو كروشهم من جيوب الفقراء، فقبض عليهما وأرسلهما إلى مركز البوليس في حراسة “الخفر”، لكن بعد تفتيش أمتعتهما وعدم العثور على شىء مُريب يدينهما، أخذ البوليس عليهما تعهدًا بعدم التجوال في البلدان.
وهكذا أوصدت الأبواب جميعا في وجههما ولم يعد أمامهما سوى سبيل واحد، قدح الزوج زناد فكره واهتدى إلى العودة لزوجته وسلب ما تجمع لها من رزق قليل بحيلة ماكرة غريبة، حيث تظاهر الزوج وابنه بالإقلاع عن الإدمان والتوبة، واستقرا في منزل الزوجة بعد غياب خمسة أشهر وراحا يُدبرا لما عقدا عليه العزم من الاستيلاء على أموال السيدة المسكينة.
وفي الصباح تعالى صوت الابن وصراخه وعويله ودموع التماسيح تنساب من عينيه “مدرارا”، مُدعيا موت أبيه، وهنا طلب الابن من والدته الإسراع بإحضار النقود لشراء كفنًا لوالده، فلم تجد الزوجة بُدا من إحضار النقود فتتبعها الابن وعرف مكان المال المُخبأ وسرقه ثم أعطى “إشارة خفية “متفق عليها لوالده المتظاهر بالموت فرفع الغطاء عن وجهه وراح يحرك عينيه، فتحول الحضور من الحزن إلى الفرح والسرور بعودته للحياة، وظنوا جميعا أن الرجل كان في حالة غيبوبة وأفاق منها.
ذهبت المرأة مرة أخرى لإحضار” بضعة قروش” فوجدت أن المال قد سُرق وأن زوجها قد غافلها وهرب مع ابنه.
القضية الثانية
تتلخص القضية أن “عبده السيد السبعاوي” كان غلامًا في الخامسة عشر من عمره , يعمل صبي إسكافي عند صانع أحذية بدرب الجنينة، ويسكن بسكة الكومي، وكان له شقيقة تكبره تجيد القراءة والكتابة ومتيمة باقتناء مجلة “المصور” وقراءتها، تنتظرها على أحر من الجمر أسبوعيًا وترقب شقيقها من النافذة حتى يأتي بها والويل ثم الويل إن نسي شقيقها “عبده” إحضارها معه فليلته ستكون سوداء !!.
وحدث أن نسي “عبده” إحضار المجلة في إحدى المرات حتى نفذ العدد وتصادف أن زميله في العمل ويُدعى “عيسى أحمد صالح” كان لديه نفس الشغف في اقتناء “المصور” ولديه العدد الذي فات “عبده” فطلبها منه على سبيل الاستعارة ثم دفع بها لأخته، وخشي أن يطلبها منها مرة أخرى معتبرًا أن “غضب زميله أهون من غضب أخته”.
وراح يماطل صاحبه ثم أدعى أنه فقدها عارضًا عليه أن يدفع ثمنها، لكن “عيسى” لم يقبل ونشب بين الزميلين شجارًا على إثره تناول “عبده” سكين “الصلب” التي يستخدمها في عمله وسدد عدد طعنات في وجه زميله “عيسى” فأغمى عليه وقد اشتد به النزيف وحضر البوليس والإسعاف، حُمل “عيسى” إلى مستشفى “القصر العيني” بينما أودع “عبده” السجن..
القضية الثالثة
حدث أن اشترى “عبد الحميد بك رستم” أحد هواة تربية الكلاب أثناء رحلته بانجلترا كلبًا ثمينًا ونادرًا من النوع “جريت دي” ودفع للكابتن “ستراتون” مقابله “مائة جنيه”.
كان الكلب من النوع الشره للطعام وكبير الحجم، فكان يأكل “بسكويت وخبز” صباحا وستة أرطال من لحم “الضأن” في الظهر ومثلها في العشاء.
وذات يوم خرج الكلب من الحديقة ليتجول في أحد شوارع “الزمالك” وهناك أطلق عليه النار شخص هنغاري الجنسية يُدعى المسيو “جامبوسى” من نافذة أحد المنازل بالمنطقة فأرداه قتيلا، ثم اعترف في مذكرة لقسم “عابدين” أنه قتله؛ بسبب الإزعاج، مُدعيا أنه تحت الحماية “الفرنسية”، وهو ما اتضح عدم صحته بعد ذلك، وأنه تحت الحماية “المصرية”، فرفعت النيابة قضية ضده متهمة إياه بضرب النار في الشارع وإزعاج السكان وقتل حيوان عمدا.
كما تقدم “عبد الحميد بك” بدعوى ضده للمطالبة بتعويض مدني قدره “مائتي جنيه” في سابقة هي الأولى في المحاكم المصرية.
القضية الرابعة
حاولت فيها مجلة “الدنيا المصورة” أن تُبرز زيف قدرات رجال “المندل”، فكانت هذه الحادثة التي تعود لعام ١٩٢٤م، وقد جرت في قصر “قاسم باشا” بشارع سوق السلاح، وكان القصر وقتها في حوزة بعض أهل دارفور ممن توارثوه من أهل بيت السلطان “حسب الله” سلطان دارفور، الذي حددت الحكومة المصرية إقامته فيه هو وأمراء بيته.
وحدث أن السيدة “ن” وكانت في سابق عهدها خادمة لدى “قاسم باشا” وزوجته قد حدثت أخاها بأن زوجة “الباشا” كانت كل شهر تغلق الأبواب وتدخل غرفتها الخاصة وتأمرها أن تحمل عنها أكياسًا من الذهب وتمسك “شمعة” وتفتح بابا في حائط الغرفة وترفع “بلاطة كبيرة” ثم تنزل بها سُلما، وتفتح بابًا آخر، وتدخل وحدها الغرفة بعد أن تتناول منها الأكياس ومع خروجها من الخدمة مع بعض التغييرات في المكان نسيت مكان الكنز .
وعلى الرغم من أن القصة كانت تبدو أقرب إلى قصص “ألف ليلة وليلة”، لكنها كانت قابلة للتصديق بحكم الدخل الهائل للباشا، والذي لم يخلف عقبًا ولم يكن يضع أمواله في البنك خشية من شبهة الربا.
.اتفق الأخ مع بعض من “الدارفوريين” سكان القصر بواسطة شيخ الحارة على الحفر داخل القصر لاستخراج الكنز، وقد عزز من أقوال السيدة “ن” أحد رجال “المندل” قد أكد روايتها بحذافيرها، وأقسموا جميعا على المصحف على اقتسام الكنز الذي لم يخالجهم شك للحظه في أنه مهول، وبعد أن بذلوا مشقة عظيمة في الحفر وصاحب “المندل” يوهمهم بقراءة “عزائم” لصرف “عُمّار المكان” حتى لا يهربوا بالمال، وهم من ورائه في شغل عن هذا يداعب أفئدتهم “بريق الذهب” المنتظر.
وما أن انفتح الباب حتى وجدوا “رائحة كريهة” تزكم أنوفهم، ومُنوا جميعا بالحسرة والخيبة على ما أنفقوا من جهد خلف عبث وضلال!! .