بخيل الطعام

يحكي الجاحظ في كتابه نوادر البخلاء موقفًا طريفًا من المواقف التي واجهها في حياته مع بخيل الطعام فقال :
اشترى محمد بن علي مرة سمكة ،و هو ببغداد ،و كانت سمكه تملأ عين من يراها لشحمها ،و لحمها ،و هو يحب السمك كعادة أهل البصرة ،و أخذ يعد نفسه لتناول السمكة ،و غلبته شهوته عليها ،فمضى بها إلى مكان بعيد ؛ليستفرد بأكلها لا يشاركه فيها منازع ،و ظن أنه انفرد بها ،و سال لعابه من لهفته على أكله ،و لكنه فوجئ بي ،و معي قط بري شرس ،و كان محمد بن علي يخاف القط ؛فلما رأى الشر في عين القط ورآه يلوق لسانه في فمه عندها ،و كان كمن رأى ملاك الموت رؤية العين ،أو كأنه واجه الطاعون وجها لوجه ،و بالفعل لم يمهله القط حتى هجم على السمكه ،و قور سرتها بمخالبه ،و التهمها في لمح البصر
،فقال محمد بصوت هزه الحزن ،و الألم : انظر يا جاحظ إن القط يحب السرر و قد بلع السرة كلها
.. ولم يكمل جمله حتى هجم القط على قفا السمكة ، فالتهمه كله دفعة واحدة .
، فقال محمد والدموع تملأ عينيه: أرأيت إن القط يحب الأقفاء أيضا.
،فلم يلبث القط إلا أن التهم وجهي السمكه فلم يبقى منها إلا ذيلها وظن أن القط لا يحب ذيل السمك ولا يستعذب لحمه ،فما كان من القط إلا أن هجم على الذيل ،فلم يترك منه شيئًا ، وبقيت السمكة هيكلًا يحمل يحمله راس ولم يبقى من أطايبها شيء ،إلا و محمد بن علي يكاد يفتت الغيظ كبده و قلبه و بينما هو على هذه الحال إذ أقبل القط على العظام والرأس فالتهمها ،وبقيت السمكة أثرًا بعد عين.
،فقال محمد بن علي : هل رأيت يا جاحظ .. القط يحب كل شيء .. أترى لم يترك منها شيئًا ..
، واشتد به الحنق فأخذ يتقيء وغلبته حمى شديدة ومضى ألى داره وهو يقسم بأغلظ الأيمان أن لا يشتري سمكه بعد اليوم أو يأكله حتى ولو أهدوهها إليه فكفاه ما جرى وما كان..